اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 163
القائمة مقامه. والثاني: أن الواو قد تقوم مقام «أو» في مواضع، منها قوله: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ، فأزال الله عزّ وجلّ احتمال التخيير في هذه الآية بقوله: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ، وإلى هذا المعنى ذهب الزجاج. والثالث: أن ذلك للتوكيد. وأنشدوا للفرزدق:
ثلاث واثنتان فهنّ خمس ... وسادسة تميل إلى شمام «1»
وقال آخر:
هلّا سألت جوع كندة يوم ولوا أين أينا وقال آخر:
كم نعمة كانت له كم كم وكم
والقرآن نزل بلغة العرب، وهي تكرر الشيء لتوكيده. والرابع: أن معناه: تلك عشرة كاملة في الفصل، وإن كانت الثلاثة في الحج، والسبعة بعده، لئلا يسبق إلى وهم أحد أن السبعة دون الثلاثة، قاله أبو سليمان الدمشقي. والخامس: أنها لفظة خبر ومعناها: الأمر، فتقديره: تلك عشرة فأكملوها.
قوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، في المشار إِليه بذلك قولان:
أحدهما: أنه التمتع بالعمرة إلى الحج. والثاني: أنه الجزاء بالنسك والصيام. واللام من «لمن» في هذا القول بمعنى: «على» . فأمّا حاضرو المسجد الحرام فقال ابن عباس، وطاوس، ومجاهد: هم أهل الحرم. وقال عطاء: من كان منزله دون المواقيت. قال ابن الأنباري: ومعنى الآية: إن هذا الفرض لمن كان من الغرباء، وإنما ذكر أهله، وهو المراد بالحضور، لأن الغالب على الرجل أن يسكن حيث أهله ساكنون.
[سورة البقرة (2) : آية 197]
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (197)
قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ. في الحج لغتان: فتح الحاء، وهي لأهل الحجاز، وبها قرأ الجمهور. وكسرها، وهي لتميم، وقيل: لأهل نجد، وبها قرأ الحسن. قال سيبويه: يقال: حج حجاً، كقولهم: ذكر ذكراً. وقالوا: حجة، يريدون: عمل سنة. قال الفراء: المعنى: وقت الحج هذه الأشهر. وقال الزجاج: معناه: أشهر الحج أشهر معلومات.
وفي أشهر الحج قولان: أحدهما: أنها شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، قاله ابن مسعود، وابن عمر وابن عباس، وابن الزبير، والحسن، وابن سيرين، وعطاء، والشّعبيّ، وطاوس، والنخعي، وقتادة، ومكحول، والضحاك، والسدي، وأبو حنيفة، وأحمد بن حنبل، والشّافعيّ، رضي الله عنهم. والثاني: أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة، وهو مروي عن ابن عمر أيضاً، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والزهري، والربيع، ومالك بن أنس. قال ابن جرير الطبري: إنما أراد هؤلاء أن هذه الأشهر ليست أشهر العمرة، إنما هي للحج، وإن كان عمل الحج قد انقضى بانقضاء أيام منى، وقد
(1) في «اللسان» : الشّمم: القرب، والدّنو.
اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 163